ذكرى خاطفة.
استيقظت صباحًا بعد نومة غريبة، لم تكن جميلة ولا هادئة، شعرت بالانزعاج قليلا، ولكنني نمت. تسللت خيوط الشمس عبر النافذة جزءا كان نحوي والآخر على الأرض. لم يكن لدي موعد مع أحد، ولكن فجأة، قررت الذهاب إلى الحلاق، وصلت وجلست على الكرسي. بدا يحلق. بعد وقت، بدأت أغَمِضَ عيناي، وأفكر وأتذكر وأسافر في الذاكرة نحو كلّ شيء، الطفولة وشغف كرة القدم، المرح والفرح والركض وراء كل تفاصيل الحياة، مشاكل المدرسة التي تقوم بأسباب تافهة مثل: لم يختارك اللاعب الفنّان في حصة البدنية، التزاحم عند المقصف، رغم تفاهتها إلا أنها كانت ممتعة. المراهقة لاحقًا، عندما تشعر بأنك كبرت ولا تسمح لأحد مراقبتك والانتباه لك، وكل أفكارك يجب فرضها على منهم حولك، فترة مليئة بالأخطاء والأحداث والدروس ولكن لا تدركها إلا فيما بعد. فجأة صوت يقطع رحلتك، ويبدأ يتكلم مع الحلّاق، لغة سريعة غير مفهومة، وعلى ارتفاع أصواتهم تظن من شروط التحدث بهذه اللغة أن تكون مزعجًا. نقاش طويل، ينتهي بمغادرته. من ثم الحلاق يصفه بأنه: مجنون. بدا شيئا فشيئا ترتسم أمامي ملامح من الذكريات، في الحارة والمدرسة، التحفيظ والحديقة. كيف كان اليوم مليء بالحيوية، من المدرسة والهرب عن بعض حصصها، التحفيظ والحفظ المليء بالأخطاء وتعود لكي تحفظ من جديد، حتى تتقن الآيات. لعب الكورة في الشارع، لم نكن نهتم بالسيارات، ولا حتى السقوط والإصابات، ولكن الخوف من المارة من كبار السن. أتذكر في يوم ما، قررنا أن نلعب مع فريق من حارة أخرى. رغم أنني مُتعب، وفي الصباح غبت عن المدرسة، ولكنني حاولت من وراء أمي الذهاب ولعبت. فزنا وعُدت، ولكن جثم التعب على صدري، وتملّك جسدي كامل. قبل دخولي البيت، أسمعُ ضحكات وأحاديث كثيرة، دخلتُ إذ أرى العائلة كلها حاضرة. رأيتُهم يركضون ركضت خلفهم، نسيت التعب، وما جعلني أنساه حقَّا، رؤيتها، لا أعرف متى بدا قلبي يستمتع ويستحسن ملامحها، ولكن حينما أراها أحس أنها تخصّني، في أحد المرّات، فجأة، لمستُ يداها، وشعرت بإحساس جميل ومثيل لم يساورني من قبل. إلى هذه اللحظة أشعر أن هناك قصيدة مكتوبة على يداي. انقطعت الرحلة مرة أخرى ولكن هذه المرة من الحلاق ذاته، حَركَ يداي، وأخبرني أنه انتهى وخرجت.