المشاركات

ذكرى خاطفة.

استيقظت صباحًا بعد نومة غريبة، لم تكن جميلة ولا هادئة، شعرت بالانزعاج قليلا، ولكنني نمت. تسللت خيوط الشمس عبر النافذة جزءا كان نحوي والآخر على الأرض. لم يكن لدي موعد مع أحد، ولكن فجأة، قررت الذهاب إلى الحلاق، وصلت وجلست على الكرسي. بدا يحلق. بعد وقت، بدأت أغَمِضَ عيناي، وأفكر وأتذكر وأسافر في الذاكرة نحو كلّ شيء، الطفولة وشغف كرة القدم، المرح والفرح والركض وراء كل تفاصيل الحياة، مشاكل المدرسة التي تقوم بأسباب تافهة مثل: لم يختارك اللاعب الفنّان في حصة البدنية، التزاحم عند المقصف، رغم تفاهتها إلا أنها كانت ممتعة. المراهقة لاحقًا، عندما تشعر بأنك كبرت ولا تسمح لأحد مراقبتك والانتباه لك، وكل أفكارك يجب فرضها على منهم حولك، فترة مليئة بالأخطاء والأحداث والدروس ولكن لا تدركها إلا فيما بعد. فجأة صوت يقطع رحلتك، ويبدأ يتكلم مع الحلّاق، لغة سريعة غير مفهومة، وعلى ارتفاع أصواتهم تظن من شروط التحدث بهذه اللغة أن تكون مزعجًا. نقاش طويل، ينتهي بمغادرته. من ثم الحلاق يصفه بأنه: مجنون. بدا شيئا فشيئا ترتسم أمامي ملامح من الذكريات، في الحارة والمدرسة، التحفيظ والحديقة. كيف كان اليوم مليء بالحيوية، من

الرحلة الأولى.

صورة
  السفر عبر الطائرة وركوب الطائرة بشكلٍ عام حدث طبيعي لشخص يعتبر ضمن جيل زد، أول مرة ركبت الطائرة كنت جذع (أي يعني بين 12-16 سنة) اعترتني احاسيس مختلطة بين خوف وحماس وهيبة حجمها الضخم ورغم ذلك إلا أنها تطير فوق أكثر من 5000 قدم. بالإضافة إلى إقلاعها وهبوطها الذي يشكّل إحساس غريب كما لو أنها ذروة حماس الوصول والخوف منها في آنٍ واحد. غالبا ما تساورني تساؤلات حول بداية الأشياء، وأعني بذلك الأشياء الروتينية في وقتنا الحاضر، كيف بدأت؟ وبمَ شعروا الذين خاضوا تجربة الشيء الجديد؟. لأن في ظني بأن معظمنا تحمل ذاكرته البدايات الأولى لأغلب الأشياء.. أول تجربة قيادة، أول رحلة إلى المدينة أو القرية، أول زيارة إلى مكة، أول مرة تسافر إلى خارج السعودية.. وغيرها من الأسئلة المولعة بكسر ظلام النسيان. وسؤالي هو: كيف كانت أولى رحلات المواطنين في بلادنا؟ ومن خلال بحثي البسيط وجدت أدباء قاموا بتوثيق رحلاتهم الأولى مثل: الأستاذ محمد القشعمي عندما طار من الرياض إلى جدة عام 1374هـ 1955م والأستاذ عبدالقدوس الأنصاري عندما طار من جدة إلى الرياض عام 1366هـ 1947م  والأستاذ عبد الكريم الجهيمان عندما طار من بي

ما بين خياطة الأرواح والملابس.

صورة
  جدتي.. ما بين خياطة الأرواح والملابس "معاذ تعال انظم لي إبرة المكينة وأعطيك خمسه ريال". أعذب جملة سمعتها في طفولتي، عذوبة الصوت والمكافأة. لذتها كانت كل مرة تزيد، رغم تكرارها عدّة مرات، مازالت عذبة. في سن صغير، لا أعرف السبب وراء ذلك، إن كانت الخمسة أو الاحساس بقدرتي الهائلة، لا يمكنني تحديد أيهما أقرب، ولكني مستمتع بالفعل والمكافأة أكثر. فتحت عيناي على أشياء كثيرة، من بينها، مكينة خياطة جدّتي، ضخمة الشكل -حينها- كانت درجين مليئة بالمكرَه -سلك الخياطة- والإبر، وأعلَاها الماكينة نفسها، بلونها الأسود ونقوشها الذهبية، غالبيّة وقت جدّتي عندها، أظن أنها لم تكن تخيط فحسب، بل تستمتع، تنجز، تملء فراغها. لا أعرف متى بدأت، ولكن المتأكد منه هو ابداعها وتمكّنها، أتذكر الطلبات الكثيرة، من البيوز برسماتها المتنوعة، بأطرافها الهرمية، بأشكالها المُتعدّدة إلى الملابس بجميع أنواعها. "مُعاذ.. تعال انظم لي الإبرة" صوت القرآن تسمعه منذ اقترابك من غرفتها، تدخل عليها تراها ثَانِية قدميها تحت فخذيها، وأمامها المكينة، وجهها العذب، من مقدمة شعرها الناعم الوافر ومنتصفه حتى أسفله مجدل، تجاعي

ماذا لو عشت الخطيئة مرتين؟

ماذا لو عشت الخطيئة مرتين؟ ربما لن تفعل شيء، وربما لا يحدث أصلًا. وربما.. قضى الليلة الماضية مع اثنين من أصدقائه في استراحتهم بضاحية نمار، يجّهز أحمد الشاهي، تختلط روائح العطور مع رائحة الدخان، حضور رهيب للملل والفراغ، فلم يكتمل نصابهم حتى يلعبوا بلوت ولم يكن هناك حديث بينهم. ساد صمت طويل استطاع من خلاله أن يغفو سالم وهو مستلقيا على الكنب مع إراحة كوب الشاهي على كرشته الناتئة. أحمد يجلس صامتًا وقد مد رجليه واحدة فوق الأخرى فيما هو يتكئ على المركى بمرفقه اليمين واضعا يداه على خدّه يتصفح تطبيق إكس، يتنقل بين الأدب والسياسة والكورة وحسابات شخصيّة تعبّر عن حياتها بهزل بشكلٍ سريع، لا شيء يعجبه. يدخل السناب شات وبشكل سريع وغير مهتم يرى قصص أصدقائه ومن يتابعهم ومن لم يتابعهم من ثم يترك الجوال بجانبه ويكمل كوب الشاهي. وأثناء ذلك نظراته زارت المكان كامل، بعدها سقطت على قدماه، تذكّر رغبة والدته: "وراه ما تروح للتأهيل؟ علّ ترجع الفلوس اللي كانوا يعطونك إياها" مستشهدة بـ: "سارة بنت أم محمد الـ*** نفس حالتك قبل كان يجيها ثم فجأة وقف، راحت تسألهم قالوا لها جيبي تقرير جديد عن حالتك

ميلاد شخص عالق.

صورة
"كبرت فجأة مثل إشاعة في قرية".   قبل أسبوع، كانت الساعة تزحف نحو الثامنة مساء. تنقلت بين أربع كتب، كل واحد أبدأ فيه سطر، سطرين، ثلاثة، بعدها يشردُ ذهني نحو ذكرى وإلى طيف ألمحه حتى أتوه بينهما. مثل خبر ولكن غير مهم تذكرت ميلادي -بالهجري- بعد أيام، شعرت بأني خلال تذكري كنت أتكلم والآن سكت. منذ ٢٠١٩ حتى الآن وأنا أحس الدنيا تمشي وما أعرف عنها شيء. أحيانًا تطري في بالي لحظات لم أنفك منها للآن، تحديدًّا نهاية ثالث ثانوي وبداية كورونا، لحظة توقف كل شيء، الدراسة صارت عن بعد، باتت فكرة الخروج من المنزل مستحيلة، الاقتراب من أحد جريمة، شعور غريب. تحسه مسلسل. أحداث كثيرة، مواقف صعبة، مشاعر متضاربة، وفي ظل كل هذه الأشياء تكتشف أنك تخرجت من الثانوي، وهنا الاحساس يصير صعب ورهيب، ما فيه خطة، بدون هدف، فراغ، مستقبل ضبابي. بعدها الشعور بضرورة التغير.. كيف؟ شلون؟ وش الخطة؟ ما أدري. بس لازم. قُبلت بالتقنية في تخصص ما أعرفه وخارج الرياض، لازمني إحساس أهمية التغيّر، تحديدًا قبل بداية الفصل الدراسي الأول قلت بأن أمامي خيارين هما: إما إني أعدّل وضعي أو أستمر في تيهي، وأندم فيما بعد. بدا ا

مبنى 5.

صورة
  أصغي إلى هواجسي وخيالاتي التي تحوم حول عمليتي، استولت على رأسي تمامًا لذا لزاما علي أنصت لها. أسير مع الأفكار حيث تشتهي وتنبغي، أثناء طريقي إلى المستشفى قطعت شوطا من الطريق والأفكار في الآن نفسه، بدا لي أن كل شيء بهذه المدينة انطفأ واختفى ضوضائها، سرت في درب يحضر فيه القمر بكامل زهوه، ونور السيارات الخامل يحاول كسر الظلام دون جدوى، يومض نوره بعد مسافة قصيرة مثل ذكرى قديمة لا تحمل اتجاهه حسنة ولا ضغينة. وصلت المستشفى والساعة كانت تزحف نحو العاشرة مساءً، أمشي في ممرات المبنى الرئيسي حاملا بيدي حقيبتي، الممرات خالية تماما إلا من موظفي الأمن الذين توقفت عندهم، رغم معرفتي، سألتهم عن مبنى  5، لأن كان يبدو عليّ التيه، وصف لي مكانه بالضبط، شكرته، واتبعت ما أملاه عليّ.  استمريت بالمشي تاركا ورائي المبنى الرئيسي، وأمضي بين مباني المستشفى الشاهقة، يسود عليها الظلام، بيد أنّ إضاءات الممرات التي يغلب عليها العتمة، صمت صارخ مزعج يخدشه قليلًا صوت خطوات الأطباء والزوار القلائل. مررت على السوبر ماركت القابعة على بُعد خطوات من مبنى 5، أخذت حاجتي قبل أن أصوم -ما فرضه عليّ الدكتور- الساعة 12 ليلًا. دخلت

أثر التحديق.

صورة
  حياة شخص حدّق في وجهك طويلا.   دخل عبد العزيز إلى مكتب موظفة الموارد البشرية، وضع جسمه الممتلئ على الكرسي المتجه نحو النافذة المطلة على المجمع التجاري الذي يعمل فيه بالدور الثاني المخصص للشركات، وفي الأسفل مواقف السيارات، سريعة الاكتفاء. انزعج قليلا من وجود أغراضه بجيبه لذلك افرغها على الطاولة: جوال والإيربودز وشيشة إلكترونية.   على يده اليمنى موظفة الموارد البشرية بخصلات شعرها البنية الطويلة تتناثر مع نسمة هواء الشتاء، أمامها كوب ستاربكس وأوراق كثيرة وعلى يسارها قليلًا لاب توب ألصقت عليه كومة استكرات مثل: "قف على ناصية الحلم" "سوبر حلوه" "مفيش وقت للانهيار اشتغل وأنت بتعيّط" وغيرها من الاستكرات التي تحتوي على كلام وصور تشعر من خلالها بطاقة إيجابية كما تظن.   عدا وقت طويل وهو ينتظر، وفي ذات الوقت خامره إحساس يعجز على فهمه ومعرفة سببه، في بادئ الأمر توقّع بأنه مصاب بشيء ما، لأن لم تكن المرة الأولى التي يثور فيها صدره ثم يسير في كامل بدنه، كانت مثل لفحة هواء باردة مفاجئة، ولم ينته الحال هنا، بل أنه يثور فيه حتى يخيّل له وجهًا يسلب كل نظراته، رغ

يوم في الرياض.

صورة
  عن الحياة في الرياض. - الحياة في الرياض حلوة وغريبة بنفس الوقت، مجموعة مشاعر يمكنك أن تصفها بها، أحيانا أشعر أن نعيش في مسلسل، وسلسلة من القصص والحكايات. الوقت والتغيّر الذي يحدث يدخلك في دوامة من التفكير والهاجس. مثلًا: عندما تخرج من بيتكم لصلاة الفجر، هدوء يسكن الحارة، تشعر إن هذه البيوت تركت أو هجرت شيء يدل على أنها ميتة. الشيء الوحيد الذي ممكن سماعه هو صوت خطواتك وأفكارك، ويجتمع صوت خطوات آخر معك، وتستمر إلى دخولك المسجد. تعود من المسجد إلى بيتكم، وفي أثناء سيرة -قطعًا- سترى وجوه مختلفة، جاءت من قريب أو بعيد، جنسيات كثيرة، غالبًا ترى وجهه حينها فقط، نادر ترى وحد يتحدث مع الآخر سواءً الفجر أو غيره، وإن حدث ذلك يقتصر على السلام والسؤال عن الحال. ترجع تسمع أصوات الخطوات، الأطفال بالسرعة، والشباب تأني وسرعة خفيفة، والشيّاب ببطء شديد ومراقبة من كل جهة، يحاول معرفة قصص الناس من خلال ملامحهم، بعدما يعرف أنك لاحظته يرفع يداه يسلّم، حركة غير ارادية عودته السنون على ذلك. ومن ثم يصل الشخص إلى منزله، وهي آخر لحظة تشاهده فيها، كما لو أنه ميت ودخل قبره. الوقت له ارتباط وثيق مع الأحداث، صباح يو

وجع الكتابة.

صورة
أمس   واليوم   مواعيدي   لأخذ   أشعة   الرّنين   المغناطيسي   لقدماي   قبل   التدخل   الجراحي،   المواعيد   غالبًا   يلحقها   انتظار   طويل،   لذا   الآن   أكتب   أحاول قتل   ذلك . رحلتي   مع   قدماي   لم   تبدأ   قريبًّا   أو   قبل   سنوات   قريبة   بل   من   حيث   ولدت   أتذكّر   ذات   مرة   كتبت   عن   أمي   وانشغالها   التام   معي:   منذ   ولادتي  بقدمان   منحرِفة   والتي   كانت   صدمة   بالنسبة   لها   ولكنها   نسيت   بأن   بفضل   الله   ومن   ثمّ   دعائها   استقيم . أيّ   يعني   ليست   المرَّة   الأولى   التي   أكتب   فيها   عن   قدماي   ولا   أظن   أنها   ستكون   الأخيرة،   لأن   مثل   هذهِ   الآلام   الممتدة   من   زمن   بعيد،   لا   تتوقّف   عن  الكتابة   عنها،   حتى   لو   كان   تارة   لا   يفي   بالغرض   وأخرى   يفيد .  ولكن   على   أية   حال   هناك   ارتباط   قويّ   بين   الألم   والكتابة .  يحدث   أن   كلما   اشتدّ  ألمك   تناثرت   الحروف   العالقة   في   جوفك   وتحوّلت   إلى   نصوص   مكتوبة،   وعن   هذه   الحالة   أتذكر   كتّاب   وشعراء   وغيرهم   من   قدموا   فنًّا   للع