ميلاد شخص عالق.
"كبرت فجأة مثل
إشاعة في قرية".
قبل أسبوع، كانت الساعة تزحف نحو الثامنة
مساء. تنقلت بين أربع كتب، كل واحد أبدأ فيه سطر، سطرين، ثلاثة، بعدها يشردُ ذهني
نحو ذكرى وإلى طيف ألمحه حتى أتوه بينهما. مثل خبر ولكن غير مهم تذكرت ميلادي
-بالهجري- بعد أيام، شعرت بأني خلال تذكري كنت أتكلم والآن سكت.
منذ ٢٠١٩ حتى الآن وأنا أحس
الدنيا تمشي وما أعرف عنها شيء. أحيانًا تطري في بالي لحظات لم أنفك منها للآن،
تحديدًّا نهاية ثالث ثانوي وبداية كورونا، لحظة توقف كل شيء، الدراسة صارت عن بعد،
باتت فكرة الخروج من المنزل مستحيلة، الاقتراب من أحد جريمة، شعور غريب. تحسه
مسلسل. أحداث كثيرة، مواقف صعبة، مشاعر متضاربة، وفي ظل كل هذه الأشياء تكتشف أنك
تخرجت من الثانوي، وهنا الاحساس يصير صعب ورهيب، ما فيه خطة، بدون هدف، فراغ،
مستقبل ضبابي. بعدها الشعور بضرورة التغير.. كيف؟ شلون؟ وش الخطة؟ ما أدري. بس
لازم.
قُبلت بالتقنية في تخصص ما
أعرفه وخارج الرياض، لازمني إحساس أهمية التغيّر، تحديدًا قبل بداية الفصل الدراسي
الأول قلت بأن أمامي خيارين هما: إما إني أعدّل وضعي أو أستمر في تيهي، وأندم فيما
بعد.
بدا الترم -من حسن حظي كان عن
بعد- قرأت شوي عن التخصص، جاز لي ولكن راودتني أفكار إني أغيره، وشرط التغير: معدل
عالي. حاولت، واجتهدت والحمد لله انتهى أول مستوى بمعدل عالي. بعد حيرة الاختيار
بخصوص التحويل، قررت أكمل على تخصصي على مبدأ "خلك على قردك لا يجيك أقرد
منه". بدا الترم الثاني أيضًا عن بعد، حبيت التخصص، وشعرت بأنه مكاني، أنا
هنا. حاولت واجتهدت والحمد لله انتهى ثاني مستوى بمعدل كامل. انتهت أول سنة ومعدلي
عالي جدًّا. بدأت ترجع الأمور طبيعية. قررت أتوظف -فترة الصيف- على نية أكسر حواجز
كثيرة، الحمد لله توظفت، من أول أسبوع كسرت حواجز صعبة وكانت عائق. خلصت، كانت
فترة حلوة. قرب الترم الأولى من السنة الثانية، وكل شيء يوحي بأن الدراسة راح ترجع
حضورية. فعلًا. الآن تجربة جديدة، مسؤوليات جديدة، غربة إلى حد ما، بس حماس. بدت
رحلة الخطوط، أتذكر أول مرة، صباح وشمس حارة، ألف اتصال من أمي، وصلت. ما أقدر
أوصف الاحساس وقتها. مشت الأيام. بدا المستوى الثالث مكان جديد، وجوه جديدة، خطوط،
شوق لأهلي وأمي تحديدًّا، أغاني، وحيد، اختبارات، أصدقاء جدد ورهيبين: فيصل،
مساعد، أبو داحم، عادل. كل شيء جديد. حاولت واجتهدت والحمد لله انتهى بمعدل عالي
أيضًا. بدا المستوى الرابع وخلصته بمعدل عالي. فجأة بيوم وليلة قررت أرجع الرياض
وأخذ آخر مادة في الرياض.
في النهاية تخرجت بمرتبة الشرف
الأولى. الحمد لله.
بدت رحلة الفراغ والعطالة،
مقابلة هنا وهناك، ما عندك خبرة، تعال المكان الفلاني، خلاص بنكلمك، يومين بالكثير
ونرد عليك، وغيرها من الكلمات المليء بالوعود الزائفة.
تصحى من النوم على اتصال بخصوص
مقابلة، ترمي وجهك بكل مكان، الفراغ يتغلغل فيك حتى ينال منك. رغم ذلك؟ صامل أروح
كل مقابلة. أحاول، أتأمل خير، أرسم طموحات وخطط في النهاية تمضي يومان أو أسبوع
وتُنسى مثل حلم أي عاطل. بعد عشرين مليون مقابلة توظفت، وصادف ثالث يوم من بدأت
أداوم هو ميلادي -بالهجري- ٢٢ شعبان. اللي للآن ما أعرف كيف صرت هنا وتغير كل شيء،
لأن ما زال هاجسي يدور حول اليوم الذي سأعود فيه إلى صفوف ثالث ثانوي ونسوي حفل
تخرج، ونتخرج طبيعي، وينتهي المسلسل.
الثلاثاء.
22/8/1444 هـ.