يوم في الرياض.
عن الحياة في الرياض.
-
الحياة في الرياض حلوة وغريبة بنفس الوقت، مجموعة مشاعر يمكنك أن تصفها بها، أحيانا أشعر أن نعيش في مسلسل، وسلسلة من القصص والحكايات.
الوقت والتغيّر الذي يحدث يدخلك في دوامة من التفكير والهاجس. مثلًا: عندما تخرج من بيتكم لصلاة الفجر، هدوء يسكن الحارة، تشعر إن هذه البيوت تركت أو هجرت شيء يدل على أنها ميتة.
الشيء الوحيد الذي ممكن سماعه هو صوت خطواتك وأفكارك، ويجتمع صوت خطوات آخر معك، وتستمر إلى دخولك المسجد. تعود من المسجد إلى بيتكم، وفي أثناء سيرة -قطعًا- سترى وجوه مختلفة، جاءت من قريب أو بعيد، جنسيات كثيرة، غالبًا ترى وجهه حينها فقط، نادر ترى وحد يتحدث مع الآخر سواءً الفجر أو غيره، وإن حدث ذلك يقتصر على السلام والسؤال عن الحال. ترجع تسمع أصوات الخطوات، الأطفال بالسرعة، والشباب تأني وسرعة خفيفة، والشيّاب ببطء شديد ومراقبة من كل جهة، يحاول معرفة قصص الناس من خلال ملامحهم، بعدما يعرف أنك لاحظته يرفع يداه يسلّم، حركة غير ارادية عودته السنون على ذلك. ومن ثم يصل الشخص إلى منزله، وهي آخر لحظة تشاهده فيها، كما لو أنه ميت ودخل قبره.
الوقت له ارتباط وثيق مع الأحداث، صباح يوم الأحد، تخرج من البيت متجه نحو أي أمر كان -يجبّ أن يكون مهم لأن لو أحد علم بأنه غير مهم وطالع احتمال ينهي أمرك- صوت باصات المدارس، ووجودها الذي يأخذ حيز كبير من نظرك، السيارات باختلاف موديلاتها وشركاتها، الصغيرة والكبيرة، متكرتن الطفل في المرتبة الخلفية ينعس ويعود يرفع رأسه من صوت والده العالي. هنالك من يسير بسرعة عاديّة وفق القانون وآخر أعلى بكثير من القانونيّة، وغالبًا العمر لا يشكّل فارقًا في القيادة، هنالك شخوص تأخذ الحيطة والحذر بسبب أبنائهم أو زوجاتهم الذي يروح وقتهم في مناوشة أو نقاش حاد حدث البارحة، وآخر وحيد، يظن الطريق له وحده، والضرر -إذا حدث- سيكون عليه فقط. وقد ترى كبير سن، بمنظره الوقور والشيب يخرج بعضه من طرف الطاقية تحت الشماغ، يقود بتهور وحماس طائش، يمسك المسار الأيسر من الشارع ويتمنى ألا يقف أحد أمامه، لا يهمه ما يحدث، حدث له كل شيء، إلا الموت، الذي بفعله تظن أنه يبحث عنه. ومع اقتراب الظهر نحو العصر، الشمس تحرق كل شيء، تبدأ الزحمة تزداد أكثر فأكثر، كل مكان -دون مبالغة- ترى السيارات متكدسة باختلاف وجهاتهم، لكن الأحرى منازلهم، وفي داخلها يستحوذ البؤس والمزاج السلبي على السائق، لذلك ترى نوع من الفوضى والهمجية لم تره من قبل. مع انسحاب الشمس وانخفاض حرارتها، تبدأ المشاوير اليومية من الخضار والفواكة وما ينقص المنزل. وأحيانًا الخيّاط والمكتبة والبقالة. حينما تختفي الشمس ويجيء الليل بظلامه الدامس، يحين وقت القهوة، باختلاف الشهوة، هناك من يخرج إلى قهوة معينة، وفيها تشاهد وجوه كثيرة من ذكور وإناث، تتراوح أعمارهم ما دون العشرين بقليل إلى ما بعد الثلاثين، تلاحظ مراهق يتأمل فتاة كما لو أنه يود قتل دهشتها، وآخر بكمبيوتره يدرس أو أي عمل كان. وعوائل كثيرة في منازلهم يشربون القهوة العربيَّة مع السوالف والضحك والمشاكل المعتادة. بعد صلاة العشاء، تدريجيًّا تنخفض الحياة وترتفع نسبة الملل والتبطل، وتهب الهواجس والأفكار عن المستقبل والماضي وما حدث اليوم، عن كل شيء، حتى يزورك النوم. ومع مرور ساعات الليل تغفو الشوارع بحركة رتيبة مثل رأس ناعس يسقط حبة حبة على صدره.