محاولات ضيدان للنسيان.
الشعر تكملة كل شيء ناقص، ويزيد الجمال عذوبة. ومن أجمل الأعمال التي وجدها الإنسان. وأظن يوجد مكان في دواخلنا لا يلمسه إلاالشعر، ولكل منّا فترة في عمره -إذ لم تكن طيلة حياته- كان رفيق دربه الشعر.
تحديدًا في "رحلة" النسيان غالبًا تحتاج إلى "تذكرة" بديعة من الفن مثل أغنية أو حتى قصيدة.
في فترة سابقة كنت حازمًا على محاربة شعور ولّى عليه الزمن وشرب. لكن في كلّ مرّة كان الحنين يساورني ويفسد فرحتي بالنسيان،حينها كان الشعر يستهويني بشدَّة مثل اندفاع طفلًا بلعبة للتوِّ اقتنائها.
صدفة.. وما أحلى الصدف التي تحدث لنا حتى لو كانت تمسّ شيئًا من دواخلنا، وجدت قصيدة لضيدان بن قضعان (تسع سنين) التي بدأفيها قائلًا:
( على عيد انكساري في غرامك قبل تسع سنين
تذكّرتك وقلت أكلمك والنيّة النيّة
الو لبيه يا أغلى من ذبحني قبل عام الفين
ومت ولا حييت إلا على ذكره وطاريّه )
من البداية تعرف جيدًا أنها ليست قصيدة فحسب.
اعتراف بسيط جدًّا ولكنه بكل اندفاع وبغية:
( أحبك وين ما سجّت عيوني فـ الزمان الزين
وسجّجني الزمان اللي متاهاته خياليّه )
وعندما يصل إلى أعذب وصف ودلالة عن أهميّة الشخص لا المكان:
( فديتك يوم تاخذني على كيفك ولا أدري وين
معك من وين ما ذعذع هواك ومالت الفيّة )
بعد ذلك تبدأ رحلته في النسيان:
( تفاهمنا على حسم الأمور وكلّنا راضين
وتوادعنا ما كنّ قلوبنا خضر و هواويّة )
ولكنه كمن ظن أنه ناسيًّا حتى خاب ظنّه عند أول ذكرى خطرت في باله عرف جيدًا أنه كان متناسيًا.. يقول في البيت الذي يليه:
( ومع هذا عجزت أسج وأنسى وأترك المقفين
أغصب القلب لكنّ الغلا قدرة إلهيّة )
بعد صمت طويل طيلة هذه الفترة اعترف إنه لم يستطيع النسيان:
( وإلا منّه سرى من كل ليلٍ حروة الثلثين
عرفت إن نسبة النسيان دون اثنين فالمية )
بعد كل هذا تبدأ محاولاته للنسيان..
المحاولة الأولى عبارة عن التغيّر من حال إلى حال:
( وفكرت اتبدوى مع أهل الابل و أترك أهل الضين
يجوز الابل تنسّي من تبعها عن مشاهيّه )
المحاولة الثانية بشراء الوضح سَلْوة ونسيان:
( شريت الوضح لعل وعساي أسلى مع السالين
وقعدت أشد وأنزل في التهاتيه الخلاويّه )
المحاولة الثالثة عن عدم الجدوى من كل محاولاته:
( ولكن ما تغيّر حال هذا أنت تحداني لين
نويّت أتمّ نصف الدين والنيات مقفيّه )
المحاولة الرابعة الإصرار على النسيان:
( خذيت من بنات الغيّد عقبك وحده و ثنتين
عساي أسج عن طاري الهوا وطيوف غاليّة )
وفي النهاية البائسة:
( ولكنّ الوضع هو هو ما تغيّر و الزمان يشين
وحبك كل يوم يزين في العين الشقاويّه )
في الختام تتأكد فعلًّا أنها ليست مجرد قصيدة فحسب، رحلة من التذكّر إلى النسيان ومن المحاولات العديدة التي باءت بالفشل الذريع فيالتخطي.