شفت أمّي
شفت أمّي.
أقولها وكأنني أملك خبر العيد أو بشارة ترقية، شيئًا مثل هذا يدخل السرور ويطمئن الروح.
أوّل مرّة أجلس ثلاث أسابيع لم أرها، هي ثلاث أسابيع ولكن في الشعور ثلاث عقود. كانت أيام ثِقال، لم تكن تشبه الأيام بشيء، تمضيالأيام بثقل على صدري، على الرغم من سماع صوتها بين الحين والآخر لكن لا يساعد إلا بشيء بسيط للغاية من التغلب على الحنين.
لأن السعادة تكمن في رؤيتها، في الجلوس معها، لأن في رؤيتها تشفى جروحي، أستريح من تعبي، تسعد روحي، ويبتهج قلبي الحزين،هي سرور العين. وأيضًا من رؤيتها أصبح للسعادة خليل.
حتى أول أسئلتي لإخوتي وأبي وكل من بيني وبينه صلة قرابة، دائمًا أول سؤال:
"شفت أمّي؟"
من إجاباتهم تساورني الطمأنينة والسعادة، أخبارها وذكراها تسرق مني التعاسة.
حتى عند دخولي للمنزل بعد أي مكان أعود منه أول أسئلتي "وين أمّي؟" حتى وإن كنت عندها قبل خروجي، فهي العودة المنزل الحقيقيّة،هي منزل هذه الروح، والطمأنينة بعد قلق السفر والغربة.
أحب أمّي أكثر من كل شيء، لا أذكر شيء أحبّه بهذه الكثافة سواها. رجائي الوحيد أن لا يغيّب الله وجهها وطاريها، وبشاشة وخفة روحها،ودعائها الذي يساورني أينما حللت وارتحلت.
أمّي النبيلة في خلقها، الشاعرة في كلمتها رغم أنها لم تكتب بيت واحد، العظيمة في بساطتها، المعلمة ليس في الرياضيات وكيفية حسابواحد زائد واحد بل كيف أنت وأخاك مهما ساءت الظروف لا تنساه ولا شيء يعيق بينكم، وللأبد أنتم إخوة وبأدنى الأشياء تتشاركان مثل:بطاطس صغير، صحن رز. المدهشة في تكيّفها على تغيراتنا، الودودة في دراية أحزاننا وتنسى حزنها وما كان يكدر صفو خاطرها.
بعيدًا عن كونها أمّي وعلاقة الابن بوالدته، وأنها تحمّلتني بكل ما فيني، منذ ولادتي بقدمان منحرِفة والتي كانت صدمة بالنسبة لها ولكنهانسيت بأن بفضل الله ومن ثمّ دعائها استقيم. هي بذاتها أحبّها، هند نفسها أحبّها جدًّا.